الأربعاء، 25 مارس 2009

العرب في عيون الغرب

لعل ابرز مشاكل هذه الامة في هذا الزمان,انها لا تجتمع على شيء ايا كان, وفي اي مجال كان الا ما ندر, ولكن من الجدير بان ينوه انها اوشكت ان تجتمع على شيء واحد .

انا لا اتكلم عن حياتنا الاجتماعية الخاصة وما شابه ذلك من الامور التي تكاد تكون هامشية ,انني بصدد ظاهرة متفشية في كل بلدننا.
في مرة من المرات كتب الراحل الفلسطيني ادوارد سعيد الذي حكم عليه ان يعيش ويموت في المنفى , في كتابه عن الاستشراق,ان مبررات الغرب باحتلالنا واستنفاذ مواردنا وخيراتنا تكمن بانه يرى في نفسه في مستوى اعلى من الشعوب التي يحتلها ويستعمرها.
فعلى سبيل المثال لما ارادت الولايات المتحدة الامريكية بقيادة بوش كان احدى مبرراتها, وقد اوردت الكثير من المبررات بغض النظر انها كانت كلها مكذوبة وملفقة ولا يصدقها الا السفهاء ,الا ان المبرر الذي يهمنا هو ان الولايات المتحدة انما اقدمت على احتلال العراق لتحرير الشعب العراقي ولتزويده بالديمقراطية .
هذه هي نظرية الاستشراق للراحل ادوارد سعيد. وقد احدثت صدى كثيرا ومحاولات للرد عليها حتى اليوم برغم انه كتب قبل سنين عدة.

لكني لست بصدد هذه ايضا , انما بصدد فكرة تدنو منها, انما في هذه الحالة الشرقيين لا بل العرب والمسلمون وحدهم , هم من يرون بالغرب كشيء ذو مستوى ارقى منهم ولذلك نجدهم متخبطين في الكثير من الاحيان في الصورة التي لدى الغرب عنهم ,وعن الصورة التي يجب خلقها للغرب , ونراهم يبرمجون كل حياتهموقراراتهم بناءا على هذا الشرط ,من الفرد وحتى رئيس الدولة .
بل ولا ينفك يظهر مبشرون من ابناء جلدة العرب انفسهم (بغض النظر ان كانوا مجندين من طرف ما )ينادون بمحاربة تقليد ما او ظاهرة معينة وحتى لو وصل الامر لتعطيل شريعة دينية معينة ,لانها ستشوه صورة العرب بنظر الغرب.بالرغم من ان هذا الغرب لديه ما هو اسوا من ذلك واشد مرارة.

ان هذه العقدة,عقدة صورتنا بالغرب. قد سمعتها مرارا وتكرارا من افواه مختلفة ومتعددة برغم تغيير صيغتها ,وان لها العديد من الصيغ والاشكال المختلفة التي من الممكن ان تقال بها, الا انني في كل مرة اسمعها ادرك ان العرب لم يزالوا لا يدركون واقع حالهم وحقيقة حياتهم.


في واقع الحال التشدق بمثل هذه الاقوال لهو مدعاة للحسرة على حال العرب اليوم ,فان كانت تدل على امر ما فما تدل عليه هي ان نظرية الاستشراق لادوارد سعيد صار العرب انفسهم يستعملونها ضد انفسهم ,اذ انهم صاروا يرون بحضارتهم والتي تتفوق على حضارة الغرب , يرون بها دون مستوى هذا الغرب . وفجاة يصير كل ما هو غربي حسن وجميل حتى ولو كان سيئا في حقيقة الحال تراهم يجدون تبريرا معينا لسلبيته بمحاولة لاظهاره بضوء ايجابي.

وحتى صار بين العرب انفسهم اذا تكلموا لا تظنهم عربا يريدون مصلحة العرب , فتجد ان مواقفهم غريبة , ولا تدري اهو في صفك ام انه في صف عدوك ام انه مجرد سفيه احمق لا يدري ماذا يراد به . فاليوم صارت كلمة الجهاد بين العرب كلمة محظورة واذا ما نطقها احد الناس اتهم بالارهاب او التخلف او التطرف او التعصب الديني او كلها معا ,مع ان الغرب له جرائم وحروب قتل فيه انفس كثيرة وتاريخه يعج بالوقائع الوحشية,كالحملات الصليبة ومحكام التفتيش ولا يزال يقوم بهذه الاعمال الوحشية كغوانتانامو والحروب التي قام بها .


وان تكلم عن الحضارة العربية والاسلامية وامجادها فانه يعيش في وهم ما او انه رجعي,وان انتقد بعض السلوكيات والممارسات في العالم الغربي فيتهم بانه ايضا متخلف ولا يواكب تطورات العصر وان كانت هذه السلوكيات قبيحة ويندى لها الجبين .
وقد استوقفني تعليق احد المشاركين في برنامج الاتجاه المعاكس على الجزيرة قبل يومين ,حين ندد بالقاء منتظر الزيدي الحذاء على بوش ,وقال انه لا يريد ان تتكون صورة لدى الغرب بان العرب شعب غير متحضر اذ انه اعتبر القاء الصحفي منتظر عمل غير متحضر. في الواقع كان هذا البرنامج منبرا لنشر هذه النظرية وتوبيخ العرب على انهم منحطين ثقافيا واجتماعيا .في مرات عديدة وكثيرة . يعلمها الكثير من الناس , وقد اطلفوا العنان لانفسهم حتى كي يهاجموا الدين الاسلامي والحضرة المحمدية الطاهرة الزكية .

ان مثل هذه الاقوال , التي ان اعتبرنا انها قيلت من غير دوافع خفية ,ومن غير ان يكون الشخص مجندا من قبل جهة ما او اخرى , فانها حقا لا تعبر الا عن جهل وسذاجة وتدعوا الى الاسف الشديد والتحسر على الواقع العربي.

فعلى سبيل المثال لا ادر لم يكون هناك استنكار اصلا لالقاء فردتي حذاء من شخص قد تم قصف بلده وربما طال ذلك بعض اقاربه باطنان من المتفجرات والمواد المشعة والقنابل النووية وسائر اصناف السلاح الذي لا يقصر باتلاف كل ما هو ممكن اتلافه . يستنكر هذا الفعل على يد عربي قد اصابه مثلما اصاب هذا الرامي ؟

واخرون يستنكرون ان يقوم شخص ما او مجموعة بالتنديد ضد الرسومات التي تسيء لاجّل ما نقدس في حياتنا وبل يلومون عليهم ان هم هموا بمقاطعة منتج ما ,وما اشد استنكارهم لمن يختار ان يقاوم بقوة السلاح بدل الطرق السلمية التي لم تجد نفعا . وحتى لو كانت الارض تكاد لا تحمل هؤلاء القوم من كثرة ما القي عليها من اطنان القنابل والصواريخ.


اكل ذلك من اجل تحسين صورة العرب في عيون الغرب؟

الغرب لم ينصف قط لا العرب ولا المسلمين ,كتب الاستشراق والمستشرقين تعج بانكار كل محاسن العرب وكل ايجابياتهم , لا يقتصر الامر على زماننا الحالي بل منذ الازل , منذ ان صار الشرق شرقا والغرب غربا , فهم لا يعترفون بفضل العرب على الحضارة الانسانية , وصل بهم الحد الى انكار اي فضل لهذه الامة في اي علم كان ,وقد يستكثر البعض ان وصفوهم بانهم نقلوا ونسخوا الحضارة التي سبقتهم . ولا يكادون يقرون بذلك ايضا .

وحتى يومنا هذا ,في الاعلام المعاصر الغربي طبعا , "النيّر" والذي يفترض به ان يكون من المنصفين , نراه يسرد القصة على هواه وبالشكل الذي يريده هو وحسب ارادة صاحب الشركة المالكة لتلك الجريدة او القناة الفلانية وخلفيته .

وكما ارى لن ينصف الغرب العرب يوما بالقدر الذي يستحقونه, ولذلك على الضعفاء الذين ينتهجون هذا النهج ان يكفوا عنه ويبدأوا نهجا جديدا يكون همهم به هو تطوير مجتماعتهم حقا وليس تحسين نظرة الغرباء لهم فبالنسبة لهم مهما بلغنا تطورا سيبقى العربي راعيا للابل ويعيش في الصحراء في بيت من الوبر .

السؤال الذي لا زال يحيرني هو لماذا نحن بحاجة كي ينصفنا الغرب ؟ وهل يستحق انصافهم لنا كل هذه التنازلات والتضحية بكرامتنا؟

لماذا نحن نقر بان الغرب اليوم صار هو الحكم في عالمنا , وانه هو الامر الناهي ونتسابق لننال رضاه , كل هذا ينبع من شعور العرب (بعضهم) بانهم اقل شانا مقابلة بالغرب . بالرغم من وجود كم هائل من الاسباب الذي يوفر لهم سببا كي لا يشعروا بهذا الشعور . وهذه هي النظرة التي يجب محوها كي يكون باستطاعة العرب الرقي مرة اخرى الى قمة الحضارة .
فعلى مر السنين اتخاذ الخنوع وتقبل تقدم الغرب علينا واتخاذه هو المقياس لاعمالنا والمطالبات بتحسين صورة العرب لدى الغرب لم تؤت اكلها بل ولم تؤت شيئا يذكر ,ولم تقدم لهؤلاء المساكين المتذبذين شيئا يعول عليه وخير مثال يعول عليه وهو ان هناك امم شرقية مثل الصين واليابان سنشهد يوما ستتقدم به على الغرب,وذلك لانهم حافظوا على ثقافتهم وعلى النظرة بانه لا توجد امه خير منهم وانه لا مستحيل امامهم .ولم يهتموا كثيرا بما تعقتده تلك الدول الغربية عنهم. وكذلك على العرب انهاء استعمال الغرب كمقياس وكمثال اعلى يطمح ان يصبحوا مثله .
فاذا نظر العرب لانفسهم كما يجب ولم يقبلوا المكانة الدنية التي وضعها لهم بعض الغربين ,وعملوا لبرهنة ذلك على الارض الواقع من خلال التفوق الانتاجي بكافة المجالات ومن دون مراعاة المعايير الغربية والقيم الاجنبية عندها فقط سيتمكن العرب مرة اخرى من استعادة مكانتهم في الصدارة ,وهو مكانهم الطبيعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق